ما يحمد وما يذم من الخوف والرجاء
فهذه الآيات كافية في الرد على هؤلاء، لكن المقصود أن ما ذكرنا يدل على هذا الأمر، ولهذا قال الشارح رحمه الله: (يجب أن يكون العبد خائفاً راجياً؛ فإن الخوف المحمود الصادق ما حال بين صاحبه وبين محارم الله).وهذه حقيقة الخوف الواجب، فإن ترقى هذا الخوف حتى حال بين العبد وبين المكروهات أو المشتبهات، فهو الخوف الكامل، فإن زاد الخوف به حتى قنطه من رحمة الله وحمله على ترك ما أمر الله تعالى به من رجاء رحمته وثوابه والطمع فيما عنده أصبح خوفاً مذموماً.فالأصل هو الخوف الواجب، وهذا الخوف الواجب هو الركن الذي لا بد منه، وله كمال كسائر أنواع أعمال القلوب من الرجاء والمحبة والصدق واليقين، فكل هذه لها أصل لا بد منه، ولها كمال يتسابق فيه المتسابقون ويتنافس فيه المتنافسون، لكن الفاصل الدقيق إنما يكون بين كمال الخوف والوقوع في الخوف المذموم الذي يصبح قنوطاً ويأساً.قال رحمه الله تعالى: (فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط) يعني الخوف الواجب وما يتبعه من الخوف الكامل.والرجاء المحمود هو الرجاء الواجب، وهو (رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله) رجاء ثواب الله وخوف عقاب الله، فمن عمل بطاعة الله على نور من الله بدليل شرعي غير مبتدع راجياً ثواب الله خائفاً من عذاب الله فرجاؤه محمود، كما في آية الأنبياء. فهو يأتي بالطاعات وقلبه وجل لأنه راجع إلى ربه وسائله عما فعل، ولأنه قد يتقبل منه وقد لا يتقبل، وهذا حال المتقين، فهم يعملون الطاعات ويجتهدون فيها ويأتون بها على السنة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعملها، فلا يبتدعون في الدين، ويرجون من الله تبارك وتعالى أن يتقبلها، ويخافون أن يردها عليهم، وهذا حال السلف الصالح ومن تمسك بالصراط القويم.ثم ذكر جانباً آخر من جوانب الرجاء، وهو داخل فيما سبق، لكن ذكره لتتميم الأمر حتى لا يقنط قانط، فقال رحمه الله تعالى: (أو رجل) أي: رجاء رجل (أذنب ذنباً ثم تاب منه إلى الله) توبة نصوحاً صادقة توافرت فيها الشروط التي تقدم ذكرها في موضوع التوبة، ومع ذلك فهو (راج لمغفرته) يرجو مغفرة الله نتيجة توبته، وفي هذا تنبيه من الشيخ رحمه الله على أن الإنسان لا يقنط مهما أذنب، وإنما عليه أن يتوب، فإذا تاب وجب عليه أن يعد هذه التوبة عملاً صالحاً، فيخلص فيه ويجتهد يرجو به ما عند الله، فلا يقنط من رحمة الله تبارك وتعالى، قال رحمه الله تعالى: (قال الله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[البقرة:218] )، فانظر إلى الصفات: إيمان وهجرة وجهاد! قال تعالى: (أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فهذا هو رجاء العاملين المنيبين المخلصين، وهو الرجاء المحمود؛ لأنهم يرون أنفسهم قد عملوا هذه الطاعات ويعلمون أن الله تبارك وتعالى لا يضيع أجر العاملين ولا يخيب أمل المتقين، فالذين سعوا إليه على نور منه رغبة ورهبة بصدق وإخلاص لا يخيبهم أبداً، وهذا من حسن الظن بالله تبارك وتعالى، وفرق بين حسن الظن بالله وبين إساءة الأدب مع الله تبارك وتعالى والاندفاع وراء الأماني الباطلة الكاذبة التي هي سبب وقوع الأمن المذموم.قال رحمه الله تعالى: (أما إذا كان الرجل متمادياً في التفريط والخطايا يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب).